حتى الآن تتركز معظم الأنباء والتعليقات بشأن الخروج البريطاني «بريكسيت» على الطريقة التي ستجري بها لندن وبروكسل الطلاق غير المسبوق. ويتركز انتباه أقل على كيفية تعامل الحكومات الأوروبية والشركات والمواطنين مع متغيرات ما بعد الساعة 11 مساء يوم 29 مارس المقبل حين تترك بريطانيا رسمياً الاتحاد سواء توصلت أو لم تتوصل إلى صفقة.
وقد يحدث هذا فيما يبدو حالياً بأسوأ طريقة دون ترتيب بين بريطانيا والتكتل بشأن كيفية إجراء الفصل. ويرجح أن تفشل تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية في مسودة مشروعها الخاص باللوائح الانتقالية. ويشعر عدد كبير للغاية من مجلس «العموم» أن اتفاقها المقترح للانسحاب الذي تفاوضت فيه مع بروكسل لم يبلغ المرام. لكن الاتحاد الأوروبي يُصر على أنه لن يعيد النظر في الصفقة.
ودون التوصل إلى صفقة، فإن العلاقات التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي سترتد إلى القواعد الأساسية لمنظمة التجارة الدولية. وهذا يتطلب أن يسمح لكلا الجانبين أن يعامل الجانب الآخر بشكل تفضيلي أكثر مما يعاملون الشركاء التجاريين الآخرين حول العالم. وإذا خرجت بريطانيا من التكتل دون التوصل إلى أي صفقات تجارية ثنائية، سيتعين وضع نظام للجمارك بين بريطانيا وجيرانها الأوروبيين. وفي الفترة الانتقالية سيجد آلاف الشركات من الجانبين وملايين الزبائن أنفسهم في ارتباك مكلف. وعلى سبيل المثال، تعتبر بريطانيا أكبر سوق لألمانيا في أوروبا. وتشير بيانات أن شركات السيارات التي تتخذ من ألمانيا مقراً قامت العام الماضي بتصدير سيارات إلى بريطانيا أكثر مما صدرت إلى الصين بثلاث مرات. ويُعتقد أن عدد السيارات التي تباع إلى بريطانيا قد تنخفض من 800 ألف إلى 550 ألفا سنوياً مما يعرض 18 ألف وظيفة ألمانية للخطر. وصناعة السيارات الألمانية تقدم مثالاً مهماً في مدى التعقيد والفوضى اللذين قد يكتنفا خروجا بريطانيا «صعبا». فالأمر لا يتعلق بشراء عدد أقل من الزبائن البريطانيين سيارات ألمانية بل يتعلق بتدمير سلاسل الإمداد القوية بين بريطانيا والقارة.
ومع وجود نظام للجمارك، ستصبح كل عمليات الشحن عبر القناة الانجليزية أكثر كلفة. وزعم مؤيدو «بريكسيت» أن بريطانيا تستطيع زعزعة مبدأ التكتل في حرية حركة الأفراد لكنها تستطيع بطريقة ما أن تبقي على المستوى المعتاد من التجارة الحرة مع القارة. لكن هذا مجرد أوهام، مثل وهم أن يرضخ الاتحاد الأوروبي لمطالب بريطانيا مع اقتراب ساعة «بريكسيت».
ورغم الضرر الذي سيتسبب فيه الخروج البريطاني في السبع والعشرين دولة المتبقية في التكتل لكن رسالة هذه الدول إلى لندن لم تتبدل، ومفادها أن هذا سيكون مؤلماً لكلينا لكن لن نترككم تغيرون القواعد. وأصرت ألمانيا التي تبيع لباقي دول التكتل عدداً أكبر بكثير من السيارات مما تبيعه إلى بريطانيا على هذا النهج المتشدد على امتداد المحادثات. وألمانيا لا تريد أن تفقد المشترين البريطانيين لكنها لا تستطيع تحمل مغبة تقويض هيكل السوق المشتركة التي تدعم مبيعاتها إلى باقي أوروبا.
ودعنا نفكر في السؤال التالي: ماذا لو كانت «ماي» تريد بالفعل سقوط اتفاقها في عملية التصويت؟ حينها سيتعين على البرلمان التعامل مع فوضى الخروج بنفسه. والواقع أن لا أحد من أعضاء البرلمان يريد «بريكسيت» صعباً. وبخلاف المتشددين، كلما جرى دفع المشرعين أقرب نحو هاوية «بريكسيت» وكلما اتضحت رؤيتهم لأهوالها كلما اقتربوا إلى تبني خيار ثالث وهو إعادة التصويت على «بريكسيت» إلى الشعب في استفتاء جديد. وهذا سيضر بالطبع بمصداقية الديمقراطية. والمتشددون من أنصار «بريكسيت» سيندبون خيانة الأغلبية التي صوتت لصالح المغادرة عام 2016.
*محرر سياسي ألماني في مجلة دي تسايت الألمانية الأسبوعية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»